روى سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن كعب ، قال : اختار الله الزمان ، فأحب الزمان إلى الله الشهر الحرام ، وأحب الأشهر الحرم إلى الله ذو الحجة ، وأحب ذي الحجة إلى الله العشر الأول .
ورواه بعضهم عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، ورَفَـعَـهُ ، ولا يصح ذلك .
وقال مسروق في قوله تعالى (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) الفجر : 2 (( هي أفضل أيام السنة )) خرجه عبد الرزاق وغيره .
وأيضاً فأيام هذه العشر تشتمل على يوم عرفه ، وقد رُوي أنه أفضل أيام الدنيا ، كما جاء في حديث جابر الذي ذكرناه ، وفيه (( يوم النحر )) وفي حديث عبدالله بن قرط ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( أعظم الأيام عند الله يوم النحر ، ثم يوم القَرِّ )) خرجه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما . وهذا كله يدل على أن عشر ذي الحجة أفضل من غيره من الأيام من غير استثناء ؛ هذا في أيامه .
وقد أقسم الله تعالى بليالية ، فقال : (وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) ، وهذا يدل على فضيلة لياليه أيضاً ، لكن لم يثبت أن لياليه ولا شيئا منها يعدل ليلة القدر .
والتحقيق ما قاله بعض أعيان المتأخرين من العلماء ، أن يقال : مجموع هذه العشر أفضل من مجموع عشر رمضان ، وإن كان في عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيرها ، والله أعلم .
وما تقدم عن كعب يدل على أن شهر ذي الحجة أفضل الأشهر الحرم الأربعة ، وكذا قال سعيد بن جبيـر .
ولعشر ذي الحجة فضائل أخرى غير ما تقدم ؛ فمن فضائله : أن الله تعالى أقسم به جملة ، وببعضه خصوصاً ، قال تعالى (وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) ؛ فأما الفجر فقيل : إنه أراد جنس الفجر ، وقيل : المراد طلوع الفجر ، أو صلاة الفجر ، أو النهار كله ؛ فيه اختلاف بين المفسرين ، وقيل : إنه أريد به فجر معين ، ثم قيل : إنه أريد به فجر أول يوم من عشر ذي الحجة ، وقيل : بل أريد به فجر آخر يوم منه ، وهو يوم النحر ، وعلى جميع هذه الأقوال ، فالعشر يشتمل على الفجر الذي أقسم الله به .
أما (( الليالي العشر )) فهي عشر ذي الحجة ؛ هذا الصحيح الذي عليه جمهور المفسرين من السلف وغيرهم ، وهو الصحيح عن ابن عباس ؛ روي عنه من غير وجه . والرواية عنه (( أنه عشر رمضان )) إسنادها ضعيف .
وفيه حديث مرفوع خرجه الإمام أحمد ، والنسائي في التفسير ، من رواية زيد بن الحُباب ، حدثنا عياش بن عقبة ، حدثنا خيـر بن نعيم ، عن أبي الزبيـر ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( العَشْرُ عَشْرُ الأضحى ، والوَتْر يومُ عَرَفة ، والشَّفْعُ يومُ النَّحْر )) ، وهو إسناد حسن
وكذا فسر (( الشفع )) و (( الوتر )) ابن عباس في رواية عكرمة وغيره ، وفسرهما أيضاً بذلك عكرمة والضحاك وغير واحد .
وقد قيل في (( الشفع )) و (( الوتر )) أقوال كثيرة ، وأكثرها لا يخرج عن أن يكون العشر أو بعضه مشتملاً على (( الشفع )) و (( الوتر )) أو أحدهما ؛ كقول من قال : (( هي الصلاة منها شفع ومنها وتر )) وقول من قال : (( هي المخلوقات ، منها شفع ومنها وتر ، يدخل فيها أيام العشر )) . وقول من قال : (( الشفع الخلق كله ، والوتر الله ، فإن أيام العشر من جملة المخلوقات)) .
ومن فضائله أيضاً : أنه من جملة الأربعين التي واعدها الله عـز وجـل لموسى عليه السلام ، قال الله تـعالى : (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) الأعراف : 142 ، لكن هل عشر ذي الحجة خاتمة الأربعين ، فيكون هو العشر الذي أُتِـمَّ به الثلاثون ، أم هو أول الأربعين ، فيكون من جملة الثلاثين التي أُتـِمَّـت بعشر ؛ فيه اختلاف بين المفسرين .
ومن فضائله : أنه خاتمة الأشهر المعلومات ، أشهر الحج التي قال الله فيها : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) البقرة : 197 ، وهي شوال ، وذو القَعدة ، وعشر من ذي الحجة .
وروي ذلك عن عمر ، وابنه عبدالله ، وعلي وابن مسعود ، وابن عباس ، وابن الزبيـر ، وغيرهم وهو قول أكثر التابعين ، ومذهب الشافعيّ ، وأحمد ، وأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، وأبي ثور ، وغيرهم ، لكن الشافعيّ وطائفة أخرجوا منه يوم النحر ، وأدخله فيه الأكثرون ؛ لأنه يوم الحج الأكبر ، وفيه يقع أكثر أفعال مناسك الحج .
وقالت طائفة : ذو الحجة كله من أشهر الحج ، وهو قول مالك ، والشافعي في القديم ؛ ورواه عن ابن عمر أيضاً ؛ ورُوي عن طائفة من السلف . وفيه حديث مرفوع خرجه الطبرانـيّ ، لكنه لا يصح . والكلام في هذه المسألة يطول ، وليس هذا موضعه .
ومن فضائله : أنه الأيام المعلومات التي شرع الله ذكره فيها على ما رزق من بـهـيمة الأنعام ، قال الله تعالى : ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ...) الحج : 27 و 28 .
وجمهور العلماء على أن هذه الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة ؛ منهم : ابن عمر ، وابن عباس ، والحسن ، وعطاء ، ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، والنخعيّ ، وهو قول أبي حنيفة ، والشافعيّ ، وأحمد في المشهور عنه .
ورُوي عن أبي موسى الأشعريّ أن الأيام المعلومات هي تسع ذي الحجة غيـر يوم النحر ، وأنه قال : لا يُرد فيهن الدعاء . خرجه جعفر الفريابـيّ وغيـره .
عن (( لطائف المعارف )) : ص (467-472) بتصرف يسيـر واختصار .