قال أبو بكر محمد بن دريد رحمه الله تعالى : إنما سميت العصا عصا لصلابتها ، مأخوذ من قولهم عَصَّ الشيءُ وعَصَا وعسا ، إذا صلُب ، واعتَصَت النواة ، إذا اشتدت ، فإنما العصا مثل يضرب للجماعة ، يقال : شق فلان عصا المسلمين والجماعة .
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( إِيَّاكَ وَقَتِيلَ الْعَصَا )) (1) يريد المفارق للجماعة فيقتل . وألقى الرجل عصاه ، إذا أطمأن مكانَـه . يقال عصا وعصوان ، والجمع العُصِيّ (2) ، وأَعْصَى الكرمُ إذا خرجَ عيدانهُ ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( لاَ تَرْفَعْ عَصَاكَ عَنْ أَهْلِكَ )) (3) يراد به الأدب . يقال لعِظام الجناح عُصِيّ . وعَصَوت الجرح ، أي داويته . والعصيان : خلاف الطاعة ، قال دُرَيد بن الصِّـمَّـة :

وقد سميت الـهِراوة ، وجمعها هَرَاوى . قال ابن فارس في كتاب مجمل اللغة : هَرَوته بِالـهِـراوة ، إذا ضربته بـها .
قال العباس بن مِـرْداس السُّلَمي - رضي الله عنه - أبياتًا ذكر فيها الهراوة ، أنا ذاكرها وموردها لحسنها وجزالتها ، وهي من مختار الشعر ، وقد أختارها أبو تمام حبيب بن أوس الطائيّ في حماسته في باب الأدب (5) ، وهي :

بغاث الطير : صغارها ، وفيها ثلاث لغات : ضم الباء وفتها وكسرها .
والمقلات : التي لا يعيش لها ولد ، والجرير : حبل يكون في رأس البعيـر .
ذكر أبو هلال العسكريّ اللغويّ رحمه الله في كتاب الأوائل قال : أول من خطب على العصا وعلى الراحلة قس بن ساعدة الإيادي . فما ورد عنه من خطبه (9) قوله :
أيها الناس اسمعوا وعُوا ، وإذا سمعتم شيئًا فانتفعوا ، إنه من عاش مات ، ومن مات فات ، وكلُّ ما هو آتٍ آت . ليلٌ داج ، وسماء ذات أبراج ، ونجوم تزهر ، وبحارٌ تزخر ، وجبال مرساة ، وأرضٌ مُدحاة ، وأنهار مجراة . ما بال الناس يذهبون فلا يرجعون ، أرضُوا بالمقام فأقاموا ، أم تُركوا هناك فناموا . يقسم قسٌّ بِالله قسمًا لا إثم فيه إن لله دِينًا هو أرضى وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه ، إنكم لتأتون من الأمر منكرًا ، ثم أنشأ يقول :

قال المؤلف : العرب تقول : فلان ممن قُرِعت له العصا ، إذا كان يرجع إلى الصواب ، وينقاد إلى الحق ، ويستقيم عَنَدُ رأيه (10) إذا نُـبِّـه ، وتقول : فلان صلب العصا ، إذا كان ذا نجدةٍ وحَزامة ، وتقول إذا تفرقت الخلطاء واختلفت آراء العشيـرة مَرَج الأمر : انشقت العصا . وتقول للمسافر إذا آب واستقرت به داره : ألقى عصا التسيار ، (( فألقت عصاها )) .
نقلاً عن كتاب (( العصا )) لأسامة بن منقذ وهو في (( نواد المخطوطات )) لعبدالسلام هارون ، رحمه الله تعالى ، ص : (1/204-206) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إياك وقتيل العصا : هو مثل مشهور ، وليس حديثًا مرفوعًا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم .
انظر (( مجمع الأمثال )) للميدانيّ (1/113) .
(2) يقال بضم العين وكسرها .
(3) حديث (( لاترفع العصا عن أهلك )) تمامه (( اَخِفْهُمْ في الله )) .
أخرجه ابن أبي الدنيا في (( كتاب العيال )) برقم (321) والطبراني في (( الأوسط )) برقم (1869) وفي ((الصغيـر)) برقم (114) وأبو نعيم في (( الحلية )) (7/332) من طريق إسحاق بن بـهلول الأنباريّ عن سويد بن عمرو الكلبيّ عن الحسن بن صالح ، عن عبدالله بن دينار ، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا .
وقال ابن أبي حاتم في (( كتاب العلل )) (4/58-59) برقم (1254) بعد أن ساق الحديث : (( قال أبي : هذا حديث كذب )) .
(4) من قصيدة في الأصمعيات (23-24) و الحماسة (1/336) .
(5) الحماسة : (2/20) .
(6) الطرير : الشاب الناعم ذو الرواء والمنظر ، وهذا البيت يروي أيضًا للمتلمس ، وليس في ديوانه .
انظر اللسان ( طرر ) .
(7) الخيـر ، بالكسر : الكرم والشرف .
(8) الوجه : الجهة ، والخسف : الذل .
(9) انظر البيان والتبيين (1 : 308 – 309) و الأغاني 14/40 ومجمع الأمثال للميداني عند قولهم : ( أبلغ من قس ) .
(10) العَنَد : الميل .