فائدة في ذكر معنى المصحف والكتاب والقرآن والسور والآيات والكلمة والحرف :
أما معنى المصحف :فهو مُـفْـعَـل ، من أُصْـحِـفَ ؛ أي :جُـمع فيه الصحفُ ، واحدتُـها صحيفة ؛ كمدينة ومدن .
وروي أن أبا بكر –رضي الله عنه –لما أمر بجمع القرآن ، وكتبوه ، استشار الناس في اسمه ، فسماه مُصْحفًا ، وذلك لمعنيين :
أحدهما : أن القرآن كان في صُحف متفرقة ، فلما جمعوه في موضع واحد ، سموه مُصْحفًا ، أي : جُمع فيه الصحف .
والآخر : أنه جُمع فيه علم الصحف الأولى ، وأنه يَـعْـدِلُـهَـا ، وهي : التوراةُ ، والإنجِيل ، والـزَّبورُ .
ومعنى الصحيفة : القطعة من جلدٍ أو رَقّ ، وجمعُها صُحف ، فلما ضُمَّ بعضُها إلى بعض ، سمي مصحفًا .
*وأما الكتابُ : فهو ضمُّ الحروف الدالَّـةِ على معنى بعضها إلى بعض ؛ لأنه مصدرُ كَتَبَ ، ومعناه : جمعَ ، ومنه قوله – عز وجل - : { أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ } أي : جمع ، حتى آمنوا بجميع ما يجب عليهم .
وقد سمى الله تعالى القرآن كتابًا ، فقال تعالى : {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ }.
*وأما القرآن : فهو اسمُ الكتاب الذي أنزله الله تعالى على محمدٍ عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم خاصَّـةً ، ولم يُـسَـمَّ به شيء غيـره من الكتب ؛ كما أن التوراة اسمُ الكتاب المنـزلِ على موسى ، والإنجيل اسم الكتاب المنـزل على عيسى ، والزبور اسم الكتاب المنـزل على داوود - صلوات الله عليهم أجمعين - .
وهو : منـزلٌ غير مخلوق بإجماع أهل السُّـنِـة ، واتفاق الأئمة ، معجزٌ ، مُـتَـعَـبَّـدٌ بِـتِلاوتِـهِ ، مكتوب في مصاحفنا ، محفوظ في صدورنا ، مقروءٌ بألسنتنا .
وإنَّـما سمي قرآنًا ؛ لأنه : جَـمَـعَ السُّـوَرَ وَضَمَّـهَـا ، قال تعالى : {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أي : تأليفه ، وضم بعضه إلى بعض {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (18) سورة القيامة ، أي : إذا ألَّـفـنَـاه وضَـمَـمْـنَـاهُ ، فخذْهُ واعملْ به .
وسمي أيضًا : الفرقان ؛ لأنه : فرقَ بينَ الحقِّ والباطلِ ، والـمـؤمنِ والكافرِ ، فَـرْقًا وَفُـرْقَـانًا .
وسمي : الذكر ؛ لأنه : ذَكَّـرَ الناس آخـرَتـَهم وإلَـهَـهـم ، وما كانوا في غفلةٍ عنه .
*وأما السُّـورَةُ من القرآن :فهي اسمٌ لآيٍ جُمِعت ، وقُـرِنت بَـعْـضُـها إِلى بعض ؛ حتى تَـمَّـتْ ، وكَـمُـلَـتْ ، وبَـلَـغَـتْ في الطول المقدار الذي أراد الله تعالى ، ثم فصل بينهما وبين سورةٍ أخرى ببسم الله الرحمن الرحيم ، ولا تكون السورة ُ إلا معروفَ المبتدأ معروف المنتهى .
*وأما الآية : فـفِـيـها خلاف ، قيل : معنى الآية من القرآن : كلامٌ متصلٌ إِلى انقطاعه ، وانقطاع معناه فصلاً فصلاً .
وقيل : معنى الآية : العلامة ؛ كقوله تعالى {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ...} (10) سورة مريم ، أي : علامة .
وإنما سميت الآية آية ؛ لأنـهـا :علامة تدل على نفسها بانفصالها عن الآية التي تقدَّمَـتْـهَـا ، أو تأْخَّـرَتْ عنها ، فكل آية كأنـها علامةٌ .
*وأما الكلمة : فهي الواحدة من جملةِ الكلام ، وجمعها كَلِم ، وتُجمعُ أيضًا على : كلمات ، فالكلام : اسمُ جنس يقعُ على القليلِ والكثيـر من جنسِه .
*وأَما الـحَـرْفُ : فهو الواحد من حروف المعجم ، سمي : حرفًا ؛ لقلته ودقته ، ولذلك قيل : حرف الشيء لطرفه ؛ لأنه آخره ، والقليلُ منه ، والحرفُ أيضًا : القراءةُ بكمالـها ، والحرفُ أيضًا : اللغة ، ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : (( أُنْـزِلَ الْـقُـرْآنُ عَلَى سَـبْـعَةِ أَحْـرُفٍ )) أي : على سبعِ لغاتٍ للعرب متفرقةٍ في القرآن مختلفة الألفاظ متفقة المعاني .
وقولهم لمكتَسَبِ الرجل وطُعْمَته : الـحِـرْفَـة ، كأنـها الجهة التي انحرف إليها عما سواها .
والتحريف في الكلام : تغـيـيـرُه عن معناه ، كأنه ميلٌ به إلى غيـره ، وانحرف عنه ، كما قال الله تعالى في صفة اليهود {... يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ... } (13) سورة المائدة أي : يغيـرون معاني التوارة بالـتَّـمْـويـهَـاتِ ، والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
*((فتح الرحمن في تفسيـر القرآن )) للقاضي مجيـر الدين العليمي الحنبليّ ، رحمه الله تعالى (1/26 - 27) .