لـمَّـا دخل الإمامُ الشاعرُ ابن الورديّ مدينة دمشق في أيام قاضي القضاة نجم الدين الشافعيِّ ، أجلسه في صُفَّة الشُّـهود ، المعروفة بالشبَّـاك ؛ وكان الشيخ ابن الورديّ يلبس زِيّ أهل المعرَّة ، فاستزراه (1) الشهود ، وحضر كتاب مُشْتـرى (2) فقال بعضهم : أعطوا الـمـعَــرِّيَّ يكْـتُــبه ، فقال ابن الوردي : ترسمون (3) أكتبه نظمـًـا أم نَـثْـرًا ؟ فزاد استهزاؤهم به فقالوا : نظمـًـا ، فأخذ القرطاسَ ، وكتب :

فلمـا فرغ ابن الورديّ من إنشاء هذه الحجة الشرعية وتأمل الجماعة سرعة بديهته مع استيعاب (9) الشروط الشرعية ، اعترفوا بفضله ، واعتذروا إليه لما علموا أنـه ابن الورديّ ، وأجلسوه في الصدْر (10) : ولكنهم عجزوا عن رسم الشَّـهَـادة نظمًـا ، وسألوه ذلك ، فكتب عن شخص منهم إلى جانبه يُـدْعَى ابن رسول :

ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) استزراه : احتقره .
(2) كتاب مشترى : عقد شراء يسمى حجة .
(3) ترسمون : تريدون وتأمرون أن أكتبه ... ؟
(4) جِلَّق : اسم لمدينة دمشق .
(5) كُورة الغوطة : بلدة بأطراف دمشق .
(6) ذرعها : مقياسها بالذراع ، وهو ذراع اليد المعتبرة في القياس .
(7) من قبلة : أي من جهة القبلة التي هي مكة ، والمراد حدها من الجنوب .
(8) البدن : الجسم ، والقصد أن البيع أصبح تامًا نافذًا بعد تفرق الـمـتبايعَين .
(9) الاستيعاب : الاستكمـال .
(10) الصدر : أشرف مكان في المجلس .
راجع كتاب (( المختار من ثمرات الأوراق )) ص (115-117) .