.... أهلاً وسهلا بطلاب العلم في موقع المتون العلمية ..... أهلا وسهلا بزوارنا الكرام ...........



قل : اعـتـزل العرش

ولا تقل : تنازل عن العرش

 

والسبب في ذلك أن ((تـنازل)) فعل اشتراك في المسموع والمدوّن من اللغة العربية ، ومعناه النـزول من الإبل إلى القتال بين اثنين أو أكثر منهما ، قال مؤلف أساس البلاغة ((ونازله في الحرب وتنازلوا)) وقال الجوهري في الصحاح ((الـنـزال أن يتنازل الفريقان)) وقال مؤلف المصباح المنيـر ((ونازله في الحرب منازلة ونزالاً وتنازلاً)) ((نزل كل واحد منهما في مقابلة الآخر)) وقال مؤلف القاموس ((والـنِّـزال : أن ينـزل الفريقان عن إبلهما إلى خيلهما فيتضاربوا ، وقد تنازلوا)) ويقال في مثل هذا المعنى أيضاً ((انـتـزل الفارسان وانـتـزلت الفرسان)) أي تنازلا وتنازلوا ، وموضع الانـتـزال هو الـمُـنـتـزل)) قال ابن الـزِّبـَـعْـرَى :

وسرابـيل حسان شُـقِّـقت              عن كُماة غُودروا في المـنـتـزلْ

واشتـقت العرب ((الـنُّـزُل)) على وزن العُمر ( وهو طعام الضيف ) فعلاً ، فقالوا ((تنازل القوم)) أي أكلوا عند هذا نـزلة وعند ذاك نـزلة ، وعلى هذا يجوز لقائل أن يقول : إن باب الاشتقاق مفتوح وأنت ممن يذهب إليه ، فلماذا لا نقول ((تنازل عن العرش)) ؟

والجواب هو : أن القياس ينبغي فيه أن يكون ملائمـًا لطبيعة اللُّغة العربية ، و ((تفاعل)) إذا جاز اشتـقاقه للواحد من نزل دل على الرياء والتكلف مثل ((تمارض وتماوت وتغافل وتجاهل)) فمعنى ((تنازل عن العرش)) على هذه القياس ((تكلف النـزول عنه وخادع به وراءى)) مع أن المراد ((اعتزل العرش)) وتركه إياه وتنحّيه عنه وتخليه ، وفي غيـر العرش يجوز أن يقال ((نزل عنه)) كقولهم ((نزل عن حقه)) قال في أساس البلاغة ((وانزل لي عن هذه الأبيات)) وفي المصباح المنيـر ((نزلت عن الحق : تركته)) فتأمل ذلك ، ولا عبرة بما ورد في شرح البسّامة لابن بدرون (ص : 20) .

 

قل : هؤلاء السُّـيّـاح جواسيسُ

ولا تقل : هؤلاء السُّـوّاح جواسيس

 

وذلك لأن السُّـيَّـاح جمع تكسيـر ((للسائح)) والسائح اسم فاعل من الفعل ((ساحَ في الأرض ، سياحةً وسيوحًا ، وسَـيْـحًا وسَـيَـحانًا)) كما في لسان العرب ، والمصدر المشهور هو ((السياحة)) لزيادة أحرفه ، المستوجبة زيادة معناه ، وليس السائح من ساحَ يسوحُ المفقود حتى يجمع على سُوّاح ، مثل قائد وقُـوّاد ، بل هو مثل ((غائب وغُـيّاب)) و ((عائب وعُيّاب)) .

وأما الجمع المصحح للسائح فهو السائحون والسائحين ، بحسب أنواع الإعراب ، ويُـعـمَـد إلى جمع المذكر السالم عند إرادة الحدث ، كأن يقال : ((كان السُّياح سائحين في أمريكا)) و ((إنّا السائحون اليوم ، وإنكم السائحون غداً)) وغيـر الفصيح في مثل هذه المعنى أن يقال ((كان السُّياح سُيّاحًا في أمريكا)) و ((إنّا السُّياح اليوم ، وإنكم السُّيَّاح غدًا)) إذا أريدَ فَعْلُ السياحة أيضًا .

 

قل : هذا رجل رُجْـعِـيّ ورُجُوعيّ

ولا تقل : رَجْـعِـيّ

 

ويقولون للرجل المتمسك بالأمور القديمة العقيمة وللأمر القديم العقيم ((رَجْعِي)) لبيان أنه ضدّ التقدمي ، وذلك خطأ ، لأن ((الرَّجعي)) منسوب إما إلى الـمَـرْجِع هو مصدر الفعل المتعدي ((رجعه يرجعه رجعًا)) وإما إلى ((الرَّجعة)) وهي الحياة الثانية في الدنيا ، ومنها قولهم : فلان يقول بالرجعة ويعـتـقدها ، وهو من أهل الرجعة ، أي ممن يؤمنون بأن ناسًا من الموتى سيعودون إلى الحياة بعد الموت ، ويحيون حياة ثانية ، جاء في مختار الصحاح ((وفلان يؤمن بالرجعة ، أي بالرجوع إلى الدنيا بعد الموت)) (1) .

فالرجعة صارت مصطلحًا ، وذلك ضد ما يريد القائل ، لأن الحياة بعد الموت هي تجدد وتقدم ، فاستعماله خطأ مبين .

والذي منع من استعمال ((الرَّجعي)) منسوبًا إلى مصدر الثلاثي المتعدي هو أن المراد الفعل اللازم لإفادة النكوص والتأخر ، ومصدره ((الرجوع والرُّجعي)) ليقابل الفعل اللازم ((تقدَّم ومصدره التقدّم)) وهما غيـر تقدَّمه المتعدي ، ومصدره التقدمُّ أيضا ، غيـر المرادين هنا ، فالرجوعيّ واضح المعنى ، وبقي ((الرُّجعي)) وهو منسوب إلى  ((الرُّجْـعَـى)) على وزن الدنيا ، وهو مصدر الفعل اللازم ((رجع)) جاء في مختار الصحاح : ((والرُّجعي : الرجوع)) ومنه قوله تعالى : {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} (8) سورة العلق .

 (( قل ولا تقل )) د/ مصطفى جواد ، ص (30-32) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا من الاعتقادات الباطلة ، فمن مات لا يبعث إلا يوم القيامة .

 

 

 

 

 

Web Traffic Statistics