قل : تأكدتُ الشيء تأكُّدًا .
ولا تقل : تأكدت من الشيء
والفعل (( تأكد )) لم يرد في كلام العرب إلا لازمًا ، بمعنى توكّد ، فقد قالوا : تأكد الأمر أي ثبت ثبوتًا وثيقًا ، وجاء في لسان العرب وكّد العقد أو العهد : أوثقه ، والهمز فيه (أي أكّد ) لغة ، يقال : أوكدته وأكدته وآكدته إيكادًا ، وبالواو أفصح ، أي شددته ، وتوكد الأمر وتأكد بمعنى واحد .
ويقال : وكّدتُ اليمين ، والهمزة في العقد أجود )) .
ولما كانت اللغة العربية سائرة في طريقها الاشتقاقية نشأ فيها (( تأكد )) المتعدّي في كلام الكتّاب وكتاباتـهم قياسًا على (( تفعَّل فلان الشيءَ )) أي أصابه بأصل الفعل ، ومثل (( تبين فلان الأمر )) أي أقع عليه البيان ، وتحققه أي أوقع عليه التحقيق ، فتأكد فلان الشيءَ بمعنى أوقع عليه التأكيد ، وهذه الأفعال المتعدية الثلاثة هي غيـر اللازمة التي هي بوزنـها نحو (( تأكد الأمرُ : أي ثبت ثبوتًا وثيقًا ، وتبين : أي ظهر واتضح وتحقق أي بانت حقيقته ، فالأول قياسي والثاني والثالث سماعيان قياسيان .
ولذلك لا نجد موضعًا لاستعمال (( من )) في قولهم (( تأكد فلان من الأمر ومن المبلغ )) لكن كثرة استعمال هذا الغلط جعلتهم لا يفكرون في تركيب جملته ، وتحرِّي الصحة فيه ، لأنـهم فكروا في تأدية المعنى حسبُ ، وليس من شأن المتكلم إن لم يكن لغويًّا أن يفكر في دقائق التركيب بعد أن يجده منطبقًا على قواعد الإعراب العامة ، والعرب تستعمل (( من )) في مثل هذه الجملة عند استعمال المصدر أو الاسم لوصلهما بما يفيد تمام المعنى مثل (( أنا على بينة من هذا الأمر ، وأنتم على ثقة من أمركم )) .
قل : مَلأَ الوظيفة الشاغرة ، وينبغي ملءُ الشواغر
ولا تقل : إملاء الشواغر
وذلك لأنك تقول : مَلأ الوظيفة الشاغرة ، ومصدر ملأ المشهور هو الملء لا الإملاء ، والإملاء يكون مصدرًا لفعلين مختلفين ، أحدهما (( أملى فلان على الكاتب شيئًا إملاءً )) أي ألقاه عليه ليكتبه ، والآخر (( أملأه الغذاء إملاءً أي أصابه بالـمُـلأة ، وهي الزكام ، أو ثقل يأخذ في الرأس من امتلاء المعدة )) والثلاثي منه هو مُلىءَ يُملأ (( نحو زُكِم يُزكَم ، فهو مَملوء ومَزكوم )) فالإملاء هو الإزكام ، قال السيد محمد مرتضى الزبيديّ ، في تاج العروس : (( الملاءة ممدودًا والـمُـلاء كغراب والـمُـلأة كمتعة ... الزُّكام يُصيب من الامتلاء أي امتلاء المعدة ، ، وقد مُـلِـئ فلان كعُني مبنيًا للمفعول ، ومَلؤ مثال كرُمَ ، وأملأه الله تعالى إملاءً ، أي أزكمه فهو مُملأ ... )) فقل : مُلء الشاغر أو الشواغر ، ولا تقل : إملاء الشواغر .
قل : تخرَّج فلان في الكلية الفلانية
ولا تقل : تخرَّج من الكلية الفلانية
وذلك لأن تخرّج في هذه الجملة وأمثالها بمعنى ((تأدب)) و ((تعلم)) و ((وتدرب)) فيقال : (( تعلم فلان في الكلية)) و ((تأدب فلان في الكلية وتدَرَّب)) ولا محل لحرف الجر ((من)) فليس المقصود الخروج من الكلية من قولنا ((تخرَّجَ في الكلية)) ولو كان المقصود الخروج ، لكان لكل طالب في اليوم خرجة أو خرجتان ، ولذهب المعنى المقصود .
والعجيب أن ((التخرُّج)) لا يزال في اللغة العامية العراقية يفيد معنى العلم وحسن التصرُّف ، فالعوام يقولون في ذكر من يسيء التصرف والعمل ، ويرتبك في الأشغال ((فلان ما يتخرَّج بـهذا الشغل)) وفلان يتخرّج إلا أن استعمال النفي هو الغالب عليه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*انظر (( قل ولا تقل )) للدكتور : مصطفى جواد رحمه الله تعالى ، ص : (37-39) .