فائدة في ذكر شيء من ورع الخليفة الراشد : عمر بن عبدالعزيز ، رضي الله عنه ، وزهده
عن فاطمة ابنة عبدالملك ، قالت : اشتهى عمر بن عبد العزيز يومًا عسلاً ، فلم يكن عندنا ، فوجهنا رجلاً على دابة من دواب البريد إلى بعلبك بدينار ، فأتى بعسل ، فقلت : إنك ذكرت عسلاً وعندنا عسل ، فهل لك فيه ؟ قالت : فأتيناه به فشرب ، ثم قال : من أين لكم هذا العسل ؟
قالت : وجَّهنا رجلاً على دابةٍ من دواب البريد بدينار إلى بعلبكَّ ، فاشترى لنا عسلاً .
فأرسل إلى الرجل ، فقال : انطلق بـهذا العسل إلى السوق فبعه ، واردد إلينا رأس مالنا ، وانظر إلى الفضل ، فاجعله في علف دواب البريد ، ولو كان ينفع المسلمين قيءٌ لتقيَّأتُ .
الورع ، للإمام أحمد بن حنبل : ص (50-51) .
صورة من عجائب ورعه
أُتِي عمر بن عبدالعزيز من الفيء ذات يوم بعنبـره ، وعنده ليث بن أبي رقيَّة كاتبه ، فأخذها بيده فمسحها ، ثم أمر بـها ، فرفعت حتى تباع ، قال : ثم إنَّه أمرَّ يده على أنفه ، فوجد ريحها ، فدعا بوضوء ، فتوضأ ، قال : فقلت له : ما هذا الذي أصبت منها حتى تتوضَّأ ؟
قال : عجبًا لك يا ليث ، وهل يُنْتَفع منها إلا بالذي وجدت ، أتُـؤْكل ؟ أو تُشرَب ؟
قال : وأُتي عمر بن العزيز يومًا بمسك من الفيء ، فَوُضِع بين يديه ، فوجد ريحه ، فوضع يده على أنفه ، وقال : أخِّروه ، حتى لم يجد له ريحًا .
سيرة عمر بن العزيز ، لابن عبدالحكم : ص 54-55.
وأُرْسِلَت لعمر بن عبدالعزيز سلَّتا رُطبٍ من الأُردن ، فقال : ما هذا ؟
قالوا : رطب بعث به أميـر الأردن .
قال : علامَ جيء به ؟
قالوا على دواب البريد .
قال : فما جعلني الله أحقَّ بدواب البريد من المسلمين ، أخرجوهما ، فبيعوهما ، واجعلوا ثمنهما في علف دواب البريد .
فغمزني ابن أخيه فقال لي : اذهب ، فإذا قامتا على ثمن ، فخذهما عليَّ .
قال : فأُخرجتا إلى السُّوق فبلغتا أربعة عشر درهماً ، فأخذتُهما ، فجئت بـهما إلى ابن أخيه ، فقال : اذهب بـهذه الواحدة إلى أمير المؤمنين .
وحبس لنفسه واحدةً ، قال : فأتيته بـها ، فقال : ما هذا ؟
قلت : اشتراهما فلان ابن أخيك ، فبعث إليك بـهذه وحبس لنفسه الأخرى .
قال : الآن طاب لي أكله .
سيرة عمر بن العزيز ، لابن عبدالحكم : ص 54-55.
وقال عمر لزوجته فاطمة بنت عبدالملك :
قد علمت حال هذا الجوهر – لحليها – وما صنع فيه أبوك ، ومن أين أصابه ، فهل لك أن أجعله في تابوت ، ثم أطبع عليه , اجعله في أقصى بيت مال المسلمين ، وأنفق ما دونه ، فإن خلصت إليه أنفقته ، وإن مت قبل ذلك ليرُدُّنـَّـه إليك ؟
قالت له : افعل ما شئت .
ففعل ذلك ، فمات رضي الله عنه ، ولم يصل إليه ، فردّ ذلك عليها أخوها يزيد بن عبدالملك ، فامتنعت من أخذه ، وقالت : ما كنت لأتركه ثم آخذه .
فقسمه يزيد بين نسائه ونساء بنيه .
المصدر السابق : ص : 62
وأتت عمَّةُ عمر بن عبدالعزيز إلى امرأته فاطمة ، فقالت :
إنِّي أُريد كلام أميـر المؤمنين ، قالت لها : اجلسي حتى يفرُغ .
فجلست ، فإذا بغلام قد أتى ، فأخذ سراجًا .
فقالت لها فاطمة : إن كنت تريدينه فالآن ، إذا كان في حوائج العامَّة كتب على الشمع ، وإذا صار في حاجة نفسه دعا بسراجه .
فقامت ، فدخلت عليه ، فإذا بين يديه أقراصٌ وشيء من ملح ، وزيت ، وهو يتعشى ، فقالت : يا أميـر المؤمنين ، أتيت بحاجة لي ، ثم رأيت أن أبدأ بك قبل حاجتي .
قال : وما ذاك يا عمَّة ؟
قالت : لو اتخذت لك طعامًا ألينَ من هذا .
قال : ليس عندي يا عمَّه ، ولو كان عندي لفعلت .
قالت : يا أميـر المؤمنين ، كان عمك عبدالملك يُجرِي عليَّ كذا وكذا ، ثمَّ كان أخوك الوليد فزادني ، ثم وُلِّيت أنت فقطعته عني .
قال : يا عمَّة ، إن عمي عبدالملك ، وأخي الوليد ، وأخي سليمان كانوا يعطونك من مال المسلمين ، وليس ذلك لي ، فأعطيَكِه ، ولكني أعطيك مالي إن شئت .
قالت : وما ذاك ، يا أميـر المؤمنين ؟
قال : عطائي مائتا دينار ، فهل لك ؟
قالت : وما يبلغ مني عطاؤك ؟
قال : فليس أملك غيـره يا عمَّة .
قالت : فانصرفت عنه .
المصدر السابق ، ص 63-64 .