فائدة تكشف عن حقيقة المنهج الدراسي في المدارس السلفية التي أنشأها الداعية المسدّد : الشيخ عبدالله بن محمد القرعاويّ رحمه الله تعالى ، ثم قوض بنيانـها حساده ، وضمت من بعد ذلك إلى التعليم الرسميّ .
يقول الشيخ حافظ الحكميّ رحمه الله تعالى :
أما المنهج الدراسي في هذه المدارس ، فقسمان : علميّ ، وعمليّ .
أما الدراسات العلمية ، فمن حين أن يبدأ الطالب فاصلاً في القرآن ، وإن لم يختم ، فإنه يُعطى ضوابط في التجويد ، ومبادئ في العقيدة على قدر حاله من رسائل الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، ثم الأربعين النووية مع ثلاثة الأصول ، وشروط الصلاة ، والأربع القواعد ، فإن كان مستطيعًا جميعها جملة ً ، وإلا رُتِّبت على هذا الترتيب : ((الأربعين من الأصول)) ثم ((الشروط)) ثم ((القواعد)) ويقرَّر عليهم في هذه المتون ضوابطُ ، وفروق في التوحيد ، والشرك ، والسنة ، والبدعة ، والعبادة ، والعادة ، مع التفصيل والتنويع ، مع أمثلة من الحال الحاضر الذي عليه الناس اليوم مما يضارع أمثلةً من الجاهلية الأولى ، فإذا حفظ القرآن ، وأكمل بقية هذه الدروس ، شرع في كتاب التوحيد حفظًا لأبوابه من الآيات ، والأحاديث ، والآثار ، وفي تقريره يطلب عليه المسائل ، وقد يتسامح لضيق الوقت ؛ ثم يكون مع التوحيد كتب الأحكام ((بلوغ المرام)) نظرًا في الأكثر ، ومنهم من ينشط على حفظه ، وكيفية تقريره بعد بيان قول المؤلف في الحكم على الحديث وبيان مدلول الحديث ، وذكر ما يعارضه إن كان ، والإشارة إلى من أخذ بـهذا أو ذاك ، ثم يؤخذ من الجوامع من كتب العقائد ؛ كالواسطية لشيخ الإسلام وما أوضحها ، والطحاوية وما أجمعها ، مع بيان مواضع الإجمال ، والاحتمال فيها ، ثم يطالع كبار الطلبة على ذلك ما جمعه السلف الصالح في الردود على المبتدعة كـ ((كتاب السنّة)) لعبدالله بن أحمد ، وكتاب ((التوحيد)) لابن خزيمة ، و ((الرد)) للدارميّ ، ((ومصنفات شيخ الإسلام ، وتلميذه ابن القيم)) و ((العلو)) للذهبيّ ، وأمثال هذا مما نالته أيديهم مع ما نلخص لهم في ذلك من الرسائل منظومًا ومنثورًا ، وعلى طريقة السؤال والجواب ، وفي الفرائض ((الرحبية)) حفظًا وتقريرًا ، وضوابط يكتبونـها .
أما الآلة ، فيقرر لهم في التجويد ((التحفة)) ثم ((الجزرية)) وشرحها ، وفي مصطلح الحديث ((البيقونية)) ثم ((النخبة)) ثم ((نظم المقدمة)) للعراقي وشرحها ، وفي النحو ((العوامل)) ثم ((الآجرومية)) ثم ((المتممة)) و ((الملحة)) ثم ((ألفية ابن مالك)) وفي الصرف ((متن البنّاء)) ثم ((الزجاج)) ثم ((لامية الأفعال)) لابن مالك ، ويعطى لكبارهم في أصول الفقه ((الورقات)) لإمام الحرمين مع ((تحرير القواعد وتقرير الضوابط)) وقد حل الكثير منهم ((منتقى الأخبار)) للمجد ابن تيمية ، وقدرًا صالحًا من الأمات قراءةً سطحية على يد الشيخ ، ثم على يدي بعدما يسَّرَ الله لي على يديه ، مع الإشارات الموضحة في مواضع الإشكال ، وتطبيق قواعد المصطلح أحيانًا تَبَعَ النشاط ، كما يقرؤون كذلك حلاًّ ((فتح المجيد شرح كتاب التوحيد)) لحفيد المؤلف ، و((الحموية)) لشيخ الإسلام ، و ((الهدي النبويّ)) ثم رأيت قريبًا تقرير ((عمدة الأحكام)) للمقدسي قبل ((بلوغ المرام)) خمسمائة حديث ؛ لكونـها أخـصَـرَ ، ومتفق على أحاديثها ، وموضوع عنها كِفْل التخريج ، وبيان مرتبة الحديث ، ويطالع الكبار منهم كتب الفروع ، والخلافيات ، مع تحكيم الدليل إذا تبين ، وعذر من نظر منه خلافه من الأئمة أن خالف على ما تقرر في رسالة ((رفع الملام)) وما مِن درس من هذه الدروس الدينية في التوحيد والسنة وأحكام الشريعة إلا ويحضره من العوام من ينتفع به ويتنور .
انظر (( المسيرة لداعية جنوب الجزيرة )) (162-164) لبندر الايداء.